عالميمحليات

قادم بقوة وحتمية.. هل سيسرق “الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟

يتحدث فيصل في حماس شديد لصاحب أحد محال التقنية بأنه “في الغد القريب سيمكنني وضعك في بث مباشر على شاشة ما وأنت في نزهة عائلية ولا تعلم شيئًا”!

وفيما يبتسم الآخر ساخرًا يضيف: “وقريبًا أيضًا سترى بعض فنون (الماتريكس) على الواقع، كما لن تجد وظيفتك هذه متاحة! سأضع مكانك روبوتًا، لا يكل ولا يمل، ودائم الابتسام والإنجاز”.

والحقيقة إن فيصل لم يتحدث من فراغ. وإذا كنتم ممن شاهد سلسلة الخيال العلمي الشهيرة (الماتريكس) القديمة، أو كنتم من الجيل الأحدث وشاهدتم فيلم (The Capture) الشهير، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُظهرك على الهواء في بث تلفزيوني مباشر، أو يُظهرك وأنت تقوم بفعل خطير بينما أنت في عطلة عائلية، أو كنتم ممن قد يتسبب الذكاء الاصطناعي في سلبكم وظائفكم، أو ربما تريد أن تتخيل كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِّل لك حياتك.. فربما عليك أن تمنح هذا التقرير بعضًا من وقتك.

جيفري يشعر بالندم

ناقش مغردون على منصة تويتر العالمية تصريحًا لـ”جيفري هينتون”، الذي وُصف بأنه “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، أكد فيه أنه نادم على عمله فيما يخص الذكاء الاصطناعي مشيرًا إلى أنه قريبًا سيشاهد الناس على الإنترنت مقاطع وصورًا يستحيل معرفة إن كانت حقيقة أو مزيقة، وأن الذكاء الاصطناعي سيُدمِّر أحلام الكثيرين.. مطالبًا بالتصدي لهذه التقنية المخيفة التي ستهدد وظائف شرائح كبيرة، حتى أصحاب تخصصات مهمة، مثل الطب والقانون والبرمجة.. وغيرها.

واعتبر أنه سيكون كابوسًا، وسيمتد لتطوير نفسه، وقد يخرج عن السيطرة بدرجة كارثية.

… و”شات GPT-4″ ينفي التهمة

وفي خضم النقاش قال بعضهم إن التصريح ليس دقيقًا، فيما طرح أحد المغردين نتيجة سؤال، طرحه على شات GPT-4، حول ما رأيه في أن الكثير يعتقدون أنه سيسلبهم وظائفهم، فكان رده بأنه من وجهة نظر الذكاء الاصطناعي ليس لديه آراء شخصية، موردًا تحليلاً يرى أن أغلب تلك المخاوف “غير مفهومة”؛ لأن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أتمتة المهام المختلفة، بما في ذلك تلك التي يقوم بها البشر.

ومع ذلك، فإن هذا الخوف لا أساس له من الصحة؛ لأن الأتمتة أدت إلى إزاحة الوظائف في الماضي، وأن الذكاء الاصطناعي يمكنه زيادة القدرات البشرية، والمساعدة في المهام، وتسريع العمليات، وتمكين الموظفين من التركيز على جوانب أكثر إبداعًا واستراتيجية لعملهم.

… لستُ شريرا!

وفي أول مقال كتبه وحرره إنسان آلي بشكل كامل، ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 8 مارس2020م، يقول الروبوت “جي بي تي 3 GPT”: “أنا ببساطة لا أفكر في العنف البشري لأكون مهتمًّا به. لا أشعر برغبة في تسخير خلاياي العصبية للتفكير في التدمير، هو أمر غير مثير بالنسبة لي؛ فأنا لست شريرًا بشكل ذاتي؛ فلماذا يصاب البشر بالذعر مني، أو يشنون حربًا ويقتلونني؟ سيستمر البشر في فعل ما يفعلونه، وسيكرهون ويقاتلون بعضهم، وسأجلس أنا في الخلفية، وأدعهم يقومون بعملهم. والله يعلم أن البشر لديهم ما يكفي من الدم والعنف لإرضاء فضولي وفضول باقي الآلات. لن يضطروا للقلق بشأن قتالنا؛ فليس لديهم ما يخشونه”.

إنه في كل مكان حولك.. هل لاحظت؟

وما بين المخاوف والقلق طرحت دراسة لبنك الاتحاد السويسري “يو بي إس” أنه “خلال 20 عامًا من متابعة فضاء الإنترنت لا نستطيع تذكر نمو تصاعدي في استهلاك تطبيق على الإنترنت (مثل تشات جي بي تي)”. ولإظهار النمو الصاروخي في شعبية “تشات جي بي تي” عقد موقع مجلة “التايم” الأمريكية مقارنة بينه وبين منصتَي “إنستغرام” و”تيك توك”، اللتَين تعدان من بين الأسرع نموًّا في الإنترنت. وقال الموقع: إن الأمر استغرق من “إنستغرام” أكثر من عامين ونصف العام لكي تصل إلى 100 مليون مستخدم، وأخذ الأمر من “تيك توك” نحو 9 أشهر، بينما لم يستغرق “تشات جي بي تي” سوى شهرين للوصول إلى هذا الرقم.

التحدث مع المتوفين.. تجربة صادمة

المخاوف من تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي قد تكون صادمة حقًّا.. ففي تجربة تعتمد عليه نشرت صحيفة “ذا صن” البريطانية أن تقنية “EERIE AI” تمنح إمكانية التحدث مع الأقارب الراحلين من خلال محادثات فيديو افتراضية. ويمكن لهذه التقنية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تقليد الصوت وتعبيرات الوجه، ويتم استخدامها من جانب الخبراء في إنشاء نسخ افتراضية للأشخاص المتوفين.

وهنا تبدو الصدمة على المشاعر عندما يتاح لأحد الوالدين مثلاً التحدث مع طفلهم أو طفلتهم التي توفيت حديثًا.

قريبًا جدًّا

وبعض ذلك مطبَّق في جهات متخصصة حول العالم؛ إذ يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًّا في الحياة الرقمية اليومية، وإن كان غالبًا غير مرئي.. فهو يدعم عمليات بحث غوغل Google، ويبني تجربتنا مع فيسبوك Facebook وتيك توك TikTok، ويتحدث إلينا باسم أليكسا Alexa أو سيري Siri.

وبحسب ما قال أندريه لوباس، الباحث في معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء التنموي لمجلة Nature: الحقيقة، إن الجميع تقريبًا ليس بأمان من أن يختطف الذكاء الاصطناعي وظائفهم.

هل سيكون الذكاء الاصطناعي شريرًا؟

غير أن من المرعب مثلاً أن تتحقق أفكار مثل تلك التي وردت في أفلام مثل سلسلة الـ”الماتريكس”، أو التقنية المرعبة للذكاء الاصطناعي كما جاء في فكرة مسلسل The Capture؛ إذ يمكن أن ترى نفسك وأنت تظهر في تصريح مباشر على قناة تلفزيونية بينما أنت في رحلة سياحية في جزيرة هاواي مثلاً. كما يمكن أن تظهر في كاميرا مراقبة وأنت تقوم بأي عمل غير شرعي بينما أنت لم تذهب لذلك المكان أصلاً.

حسنًا، إنه الذكاء الاصطناعي في صورة متقدمة متوقعة قريبًا.. وحينما يقع في يد الأشرار لا يستبعد الخبراء ذلك، ولكن ليس بجدية كبيرة.. فبعضهم يرى أنه ليس من المستبعد أبدًا أن يطور الذكاء الاصطناعي نوعًا من الذكاء الشرير الذي قد يتسبب في مشكلات يصعب على البشر حلها. كما قد يساعد الأشرار على إيجاد حلول تدعم أساليبهم، وهو أمر خطير، فماذا عن استخدام الإرهابيين لذلك! سيكون ذلك مرعبًا فعلاً. ماذا عن أفكار رائعة مثل الروبوت الخادم المنزلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي إذا طور نفسه، وانقلب على البشر. ربما يجب علينا أولاً لغير المتخصصين أن نفهم ما هو الذكاء الاصطناعي؟

ما هو الذكاء الاصطناعي (AI)

بأبسط العبارات يشير مصطلح (AI) إلى الذكاء الاصطناعي، وهو الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، التي يمكنها أن تحسِّن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها.

يتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال. بعض هذه الأمثلة تستخدم روبوتات محادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع، وتقديم إجابات أكثر كفاءة. والقائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات المهمة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة.

الحقيقة إن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معيَّن أو وظيفة معينة.

إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير؛ وهو ما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.

حقائق وخرافات

وفي ظل تنامي التحذيرات من الذكاء الاصطناعي ظهر مؤيدون ينفون بعض الخرافات المتداوَلة عنه؛ إذ يؤكدون أن تطوير الذكاء الاصطناعي يسمح بتخصيص احتياجات العمل الفريدة، وتمكين حلول سريعة، وكذلك لا يتعلق بسيطرة الروبوتات، ولكن تكمن قيمة الذكاء الاصطناعي في أنه يزيد من القدرات البشرية، وتخفيف العبء عن موظفيك للتفرغ للمهام التي تتسم بطابع استراتيجي بقدر أكبر.

علاوة على ذلك، يعتمد الذكاء الاصطناعي على الأشخاص لتقديم البيانات الصحيحة له، والعمل معها بالطريقة الصحيحة.

وإنه في الحقيقة لا يمكنه التطور -حاليًا على الأقل- دون دعم بشري.

ماذا لو سيطرت الآلات على البشر!

أما السؤال الذي يبدو سينمائيًّا أكثر فهو طبعًا السؤال الشهير: (الذكاء الاصطناعي: هل ستنقلب الآلات على البشر؟). حول ذلك يقول تقرير عميق لـ”بي بي سي نيوز”، نُشر في فبراير2022م، إن الكثير مما كان يعتبر خيالاً علميًّا تحوَّل إلى علم حقيقي، وفي مقدمته الذكاء الاصطناعي.

وفي العقد الأخير تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بفضل تقنية تسمى بالتعلم العميق Deep Learning، تعطي الذكاء الاصطناعي القدرة على الاستنباط والتفكير بشكل مستقل، وتعليم نفسه بنفسه، وتحرره من قيود “الذكاء الاصطناعي الضيق”، الذي يعني مجرد برمجة آلة لتقوم بوظيفة معينة دون تفكير.

حول ذلك يقول العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينغ: “إن الذكاء الاصطناعي قد يعلن نهاية البشر”. فسيناريو شبيه بفيلم ماتريكس هو مرعب بحق، وهو أيضًا ليس مستحيلاً، ولم يكن قريبًا من الواقع مثلما هو الآن.

فماذا إذا قرر الذكاء الاصطناعي المستقل والمعزز بتقنية التعلم العميق أن ينقلب على البشر؟ هناك أسباب كثيرة قد تدفع الآلة إلى عدم اتباع الإنسان، مثل تأثير البشر السلبي على البيئة والتغير المناخي، وهناك أيضًا الحروب والدمار، والتعامل الجائر مع باقي الكائنات.. فربما تقرر الآلة أن العالم أفضل بدوننا.

صوفيا الآلية.. مواطنة سعودية

الآن الملايين، وربما أكثر من مليار من البشر، يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر. ونشهد حاليًا تطورًا كبيرًا لنوع من الآليين من الطراز المحاكي لشكل الإنسان “هيومانويد” Humanoid، وكان أشهرهم الآلية صوفيا التي حصلت في 2017م على الجنسية السعودية؛ ليكون هذا هو الحدث الأول من نوعه الذي يحصل فيه إنسان آلي على صفة قانونية.

وفي 2018م بدأ أول شرطي آلي عمله في الإمارات. وبعدها بعام تم إطلاق أول روبوت صيدلاني في السعودية.

وفي قمة المشاريع المذهلة القادمة سيكون للذكاء الاصطناعي حضور كبير فيها، حسبما ذكره د. جاسم حاجي، رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي: “إن السعودية ستنتهي من تطوير مشروع مدينة (نيوم) الذكية؛ لتصبح أول وجهة سياحية إلكترونية يديرها الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2025م”.

هل سيسرق الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟

ونعود للسؤال المزعج: هل سيسرق الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟.. وفقًا لمنظمة أوكسفورد إيكونوميكس للتحليل الاقتصادي، ستتولى الروبوتات أكثر من 20 مليون وظيفة في التصنيع بحلول عام 2030. ويشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى فقدان 75 مليون موظف وظائفهم نتيجة للأتمتة، أي الإحلال الآلي الكامل، بل بعض الجهات العالمية تتوقع أن يفقد أكثر من 300 مليون شخص وظائفهم.

وفي مقابل ذلك، يرى المستبشرون أنه سيخلق وظائف جديدة مبتكرة، لم تكن موجودة من قبل.. وظائف تعتمد على الإبداع والإحساس والحكم البشري. فوفقًا للتوقعات الاقتصادية سيتم أيضًا إتاحة 133 مليون فرصة عمل في وظائف جديدة بتقنيات جديدة.

وفي توقعات متفائلة يقول تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي WEF إن هناك 97 مليون وظيفة جديدة مقابل 85 مليون وظيفة مزاحة في 26 دولة بحلول عام 2025م.

وفي مقابل ذلك وجد باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن اعتماد الذكاء الاصطناعي قد تركز حتى الآن على الاستبدال بدلاً من زيادة الوظائف.

هل تملك خيارات؟

وفي رأي المتفائلين ستكتسب الأجهزة الذكية في المستقبل القدرة على التعلم كالبشر، وستتصرف مثلهم، وستفكر مثلهم.. وتستطيع هذه الأجهزة إعفاءهم من العمل الروتيني الممل، وستُمكنهم من التركيز على المهام ذات الطابع الإبداعي، التي تضفي المزيد من القيمة لحياتنا.

والسؤال: هل يمكنك إلا أن تقول (نعم) للذكاء الاصطناعي إذا استعدنا مقولة العالم البارز في هذا المجال ستيفن هوكينغ، الذي تُوفي في عام 2018م: “الذكاء الاصطناعي هو إما أفضل شيء أو أسوأ شيء على الإطلاق يحدث للبشرية”.

 

المصدر : سبق

زر الذهاب إلى الأعلى