محليات

جبل ثبير.. أبطل الله عليه عمل السكين عن ذبح “إسماعيل” وأهبط عليه كبش الفداء من السماء

لا ينفرد حجاج بيت الله وحدهم بالتواجد والإقامة في محيط مشعر منى وفضائه المكاني، اليوم “الثلاثاء”، يوم الحج الأعظم، وأول أيام عيد الأضحى المبارك؛ بل يشاركهم الوجود في المكان ضمن معالمه الطبيعية جبل ثبير الأثبرة الذي شهد واقعة “البلاء المبين”، التي اختبر فيها الله إيمان نبيه إبراهيم عليه السلام، وأمره بذبح ابنه إسماعيل، فأطاع أمر ربه وانقاد له، ففدى الله إسماعيل “بذبح عظيم”، هبط لإبراهيم من فوق جبل ثبير الأثبرة إلى الموضع الذي هيأ فيه إبراهيم إسماعيل للذبح إلى عند سفحه ليتحول الجبل لمكون من مكونات تلك الواقعة العظيمة التي انبثق منها أصل نسك الهدي في الحج، فما موقع جبل ثبير الأثبرة في مكة المكرمة؟ وما أهميته؟ وما مصير موضع الذبح؟ وماذا فعل ثبير عندما صعده الرسول صلى الله عليه وسلم؟

مسميات معبّرة

وجبل ثبير الأثبرة أحد مجموعة جبال تقع في مكة المكرمة تسمى “الأثبرة” أو “جبال ثبير”، وقد ذكرت هذه الجبال في عدة مصادر تاريخية؛ منها كتاب “أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار” لأبي الوليد الأزرقي من مؤرخي القرن الثالث الهجري، وعلى مر العصور أطلق العرب وأهل مكة عدة مسميات على جبل ثبير الأثبرة، فسموه “ثبير غيناء”، كما جاء في كتاب “الأزرقي”، وسمي في الجاهلية “سميرا”، كما سمي “صَفَرا”، وسميت قمته “ذات القتادة” لنمو شجرة من شجر القتاد فوقها، وسماه أهل مكة جبل الرخم؛ لأن قمته على هيئة طائر رخم متجه برأسه إلى الحرم، والرخم كما يُعرِفه قاموس المعاني هو “طائرٌ غزيرُ الريش أَبيضُ اللون مبقَّع بسواد”. وتتفق المصادر على أن تسميته بجبل ثبير نسبة إلى رجل من قبيلة هذيل اسمه “ثبير” مات في الجبل، ويُعرف الجبل على الألسنة ويشتهر في التغطيات الإعلامية حالياً بمسمى “جبل ثبير”.

ويقع جبل ثبير في محيط مشعر منى شرقي المسجد الحرام، وبالنسبة لإحداثياته الجغرافية فإن “ثبير” كما أوضح مدير عام مركز تاريخ مكة التابع لدارة الملك عبد العزيز الدكتور فواز الدهاس لـ”سبق”؛ يُمثِل الضفة الشرقية لوادي إبراهيم عليه السلام، ويظهر للشخص المتجه لمدينة الطائف إلى اليمن مقابل جبل حراء، والضفة الشرقية لجبل ثبير تلي جمرة العقبة، وتسمى بـ”مجر الكبش”، ويُطِل “ثبير” على مشعر منى من جهة الغرب. والجبل من حيث الجحم أضخم جبال مكة المكرمة وأشمخها، ويراه الداخل إلى مكة من ناحية الغرب ولا يرى غيره.

صخرة الذبح

ويرتبط جبل ثبير من الناحية التاريخية بالحج ومناسكه، منذ أن أمر الله إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج، فقد شهد الجبل واقعة فداء إسماعيل بالكبش، وبدأت مشاهد الواقعة باصطحاب نبي الله إبراهيم ابنه إسماعيل إلى سفح جبل ثبير؛ حيث توقف به عند صخرة قائلًا له: “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”. الصافات: الآية 102. وعندها أضجع إبراهيم ابنه على جبينه فوق الصخرة وشرع في ذبحه، ولكن الله أبطل عمل السكين، وفدى إسماعيل بكبش أقرن لونه أبيض يخالطه سواد، أهبطه جبريل عليه السلام على جبل ثبير، فأخذه إبراهيم ونحره فوق الصخرة التي أضجع عليها إسماعيل.

ومن واقعة ذبح إسماعيل وفديه بالكبش الذي قال المفسرون إنه الكبش الذي قربه هابيل بن آدم إلى الله فتقبل منه، من تلك الواقعة أُخذ نسك الهدي في الحج، وليس نسك الهدي وحده بل نسك رمي الجمار أيضاً، فذكر “الدهاس” أن إبليس أراد أن يثبط من عزيمة إبراهيم، فاعترضه في سيره عند جمرة العقبة الكبرى، فرماه إبراهيم بسبع حصيات فساخ إبليس في الأرض، وأكمل إبراهيم سيره حتى إذا جاء عند الجمرة الوسطى، اعترضه إبليس، فرماه إبراهيم بسبع حصيات فساخ إبليس في الأرض، وأكمل إبراهيم سيره حتى وصل إلى الجمرة الصغرى اعترضه إبليس فرماه إبراهيم بسبع حصيات، فساخ الشيطان في الأرض، ومن رمي إبراهيم لإبليس أخذ نسك رمي الجمار.

اضطرابه تحت الرسول

ولم يقتصر ارتباط جبل ثبير بواقعة ذبح إسماعيل فحسب، فقد روي أن إبراهيم صعد عليه عندما أمره الله بأن يؤذن في الناس بالحج، ليشكل المكون المكاني لهذه الواقعة أيضًا، وفي الجاهلية كان المشركون لا يفيضون من مزدلفة إلى منى إلا عندما تشرق الشمس فوق قمة جبل ثبير، فإذا شاهدوها قالوا: “أشرق ثبير، كيما نُغير”. ومن الوقائع المهمة التي تختزنها ذاكرة جبل ثبير: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما صعد عليه اهتز الجبل من تحته، فقال له النبي: “اسكن ثبير، فإنما عليك نبي وصديق وشهيد”.

ويذكر “الأزرقي” في كتابه أن لبابة بنت علي بن عبد الله بن العباس، بَنَتْ فوق الموضع والصخرة التي أضجع عليها إبراهيم ابنه إسماعيل في سفج جبل ثبير مسجدًا، سمي “مسجد الكبش”، ووصف موقع المسجد بأن موضعه يوازي ما بين الجمرتين الأولى والوسطى وشمال جمرة العقبة، ولكن هذا المسجد لم يعد له أثر حاليًّا بحسب “الدهاس” الذي بيّن أن ذلك المسجد كان مصلى ولم يكن مسجدًا بالمعنى المصطلح عليه، وقد تهدم وزال منذ سنين وأصبح موقعه غير معلوم، وجبل ثبير هو أحد الجبال التي تكتسب أهميتها من ارتباطها بانتشار الإسلام وعباداته، وهي جبال يحتفي بها الإسلام ويمنحها صفة الكائن العاقل مثل الإنسان الذي يدرك وينبض قلبه بمختلف المشاعر، ومن هذا الاحتفاء وصف الرسول لجبل أحد بأنه “جبل يحبنا ونحبه”.

المصدر : صحيفة سبق

زر الذهاب إلى الأعلى