محليات

رسالة تمزج الماضي بالحاضر.. “الشاهين” يتحدى الصعاب في رحلته المشوقة لمكة

تحملَ المشقة والتعب والإعياء.. حققَ نقصاً في وزنه وكمالاً في صحته.. رصدَ وكشفَ آثاراً ونقوشاً.. وشهدَ مواقف مُخيفة ومُفجعة فيها ذئاب وثعالب وثعابين وزواحف.. شعرَ بالجوع والعطش والتعب والإعياء، ورُغمَ ذلك أكمل رحلته التي تحمل رسالة تمزج الماضي زمن الأجداد بالحاضر زمن التقنية والتطور.

وفي التفاصيل، أكمل الرحالة “عثمان الشاهين” والذي أكمل 23 يوماً منذُ انطلاقة رحلته باتجاه مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، قادماً من منطقة عسير، مختاراً ركوب الجمل محاكاةً للماضي وتقفياً للآثار، ناقلاً تجربته للتمييز بين الحج القديم والمعاناة، والحج الآن حيث رغدُ العيش وتيسير سبُل الحج من قبل حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظهما الله –

وتابعت “سبق” رحلة “الشاهين” والذي وصل إلى مركز قيا جنوب شرق الطائف يوم 15 ذو القعدة، بعد أن كان قد انطلق من منطقة عسير يوم 2 ذو القعدة، واليوم الاثنين وصل لمنطقة الزيمة بطريق السيل شمالي الطائف، حيث يتوقع بأن يصل إلى مكة المكرمة يوم غدٍ الثلاثاء مُنهياً بذلك رحلته الناجحة كما خططَ لها.

وروى الرحالة “الشاهين” لـ”سبق” الكثير من المشاهد والقصص التي عاشها خلال رحلته منذُ انطلاقتها وحتى اليوم، حيث قال: بدأت فكرة قيامي بأداء فريضة الحج على ظهر الرحول “الجمل” منذُ ثلاث سنوات، بعد أن كنت قد أديت فريضة الحج قبل أربع سنوات مشياً على الأقدام انطلاقاً من منطقة عسير، واخترت هذه المرة أن أنطلق تحديداً من سوق الشيق بمنطقة عسير، حيث اخترت أن تبدأ رحلتي يوم 2 ذو القعدة باتجاه مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وأنا على ظهر رحولي “جمل” كنتُ قد اشتريته من السوق، مصطحباً معي ثلاثة حقائب رئيسة وهي: “حقيبة بها زاد عبارة عن سمن وبُر وتمر وقهوة، وحقيبة بها وسائل تقنية عبارة عن بطاريات شحن جوال متنقلة وبطارية شحن عبر الطاقة الشمسية، وحقيبة بها ملابس وبعض الكتب للقراءة ومن أهمها القرآن الكريم، ودفتر أدون به بعض الملاحظات والمشاعر عن الرحلة، مع راديو صغير يستمع له في الليل وأثناء ترتيب وجباته”.

ويؤكد الرحالة “الشاهين” أنه عاشَ تجربة من أفضل التجارب في حياته، تخللها الكثير من المواقف ومنها المُخيفة بعد مواجهته ذئباً كان قد أقلقَ منامه أثناء توقفه للراحة في أحد الأودية بعد أن أظلم الليل، ما بين الخيالة وأبو راكه جنوبي الطائف، حيث قال: صوت عواء الذئب كان مُخيفاً وأفاقني من نومي، حينها رأيته مُقبلاً على خيمتي البسيطة التي نصبتها، وما كان علي إلا أن رفعت هاتفي الجوال من أجل توثيق تلك الحالة ومن حسن الطالع أن فلاش كاميرا الجوال قد سطع ما دفع الذئب للهرب من الموقع، حينها أكملت نومي حتى وقت صلاة الفجر وبعدها واصلت سير رحلتي.

وواصل الرحالة حديثهُ عن رحلته المشوقة كاشفاً عن رصده الكثير من الآثار والنقوش القديمة، وقال: سلكت طرقاً تاريخية قديمة جداً، ومنها “طرق فيل أبرهة المشؤوم” والموجود آثاره حتى اليوم بالقرب من منطقة الباحة، معرباً عن شكره لوزارة السياحة والتي كانت قد وضعت علامات لذلك الطريق، كذلك طرق الحجاج في القرن العباسي، وشاهدت نقوشاً إسلامية بتاريخ 300هـ في مركز قيا بالحارث جنوب شرقي الطائف عند بئر الصّفنية، ونقوش ثمودية، كما شهدت آباراً قديمة كانت في طريق الحج قديماً ومنها ما هو موجود في خميس مشيط، وفي منطقة غزايل، وتعود لما قبل الإسلام.

ويشير الرحالة “الشاهين” إلى أنهُ رفض تماماً السكن في الفنادق أو الذهاب للمطاعم خلال رحلته الشاقة والممتعة حسب وصفه، وقال: أهدف من خلال الرحلة إلى أن أُعد طعامي بنفسي من البُر والسمن والتمر بالطرق القديمة التي كانوا عليها أجدادنا، ومن حيث سكني فإني أسكن في الخلاء بداخل خيمتي البسيطة بعد أن أستريح أنا وراحلتي من عناءالرحلة، مؤكداً أنه وجدَ صفاء النفس والتفكير والتركيز، وأنهُ بابتعاده عن المطاعم ذهبَ عنه الكسل والخمول وزادت صحته من حيث جسمه الذي باتَ مشدوداً ومتكاملاً صحياً، وأنهُ يتوقع نقصاناً صحياً في وزنه، كذلك زاد شغفه لهذه التجربة.

وبينَ أنه استعان بثلاثة جمال حتى الآن لرحلته، كان الأول الذي انطلق به من منطقة عسير وبعد خمسة أيام من الطريق شعر الجمل بالتعب والإعياء واضطر لتغييره بثانٍ لم يُكمل به يوماً واحداً ليتوقف، حينها استعان بالجمل الثالث والذي واصل معه رحلته ولله الحمد مكملاً إياها رغم تعبه الشديد ومعاناته من طول الطريق.

وأشاد الرحالة “الشاهين” بأهالي الطائف خصوصاً والمناطق التي كان مرَ بها، وقال: تفاجأت عند وصولي للطائف بمجموعة من الشباب يستقبلوني ويرحبون بي، ويقدمون لي وجبة جاهزة من قبلهم وحاولت الاعتذار منهم ولكني وجدت إحراجاً في ذلك ما دفعني لمشاركتهم، معتبراً إياها مبادرة حسنة منهم بقوله: “الكرم من معدنهِ لا يُستغرب” معرباً عن شكره لهم على هذه المبادرة.

ووصفَ رحلته بالناجحة والتي استغرقت حوالي الأربع وعشرين يوماً في طريقه للحج، وقال: هناك فرق كبير من حيث إن وسيلتي في الرحلة هي الجمل محاكاةً للماضي وما كانوا عليه الناس قديماً، فقد نعمت طوال فترة الرحلة بالأمن ولله الحمد حيث كنت آمِناً ولم أشعر بأي شيئٍ من الخوف، وقديماً كانوا يشعرون بالخوف أثناء سيرهم للحج، وهذه التجربة مع الفارق جسدت ذلك، رُغم الكلام الذي واجهته من الناس فيحين أني أريد أن أصور الماضي وأمزجه بالحاضر، وبذلك فإن رسالتي وصلت من أجل أن يرى الناس معاناة الآباء والأجداد في أداء فريضة الحج قديماً، وما وفرته حكومتنا الرشيدة من رغد العيش ومن مواصلات وشبكة طرق ميسرة تربط كافة المدن ببعضها وصولاً إلى مكة المكرمة، كذلك توفر وسائل الاتصال والتقنية.

وختمَ الرحالة “الشاهين” حديثه بشكره “سبق” ومتابعته رحلته، كما شكرَ الجهات الأمنية بالطائف ممثلةً في الشرطة وأمن الطرق والذين كانوا حريصين على سلامته، ويرشدونه من حيث تجنب بعض الأماكن الخطرة، مؤكداً أنهم يتابعونه ويطمئنون عليه معتبراً ذلك بالأمر الإيجابي.

المصدر : صحيفة سبق

زر الذهاب إلى الأعلى