منوعات

نحن والهوية

الكاتب: عبدالله بن عبدالعزيز العزاز

@abdullahazzaz1

تعطي الهوية انطباعا كاملا عن الشعب وتعد مكونًا أساسيًا من مكونات (شخصية المجتمع) وبها تتمايز المجتمعات، وتتشكل الهوية عبر عوامل تجتمع في الشخص أو المجتمع حتى تشكل ملمحا عاما عنه، فهي دين ولغة وأخلاق وهيئة وسلوك وثقافة. وتعد المجتمعات المنغلقة على بعضها أكثر تمسكا واعتناء بهويتها فلا مجال لديها للاختلاط بشعب آخر أو ثقافة أخرى، وحين ينفتح مجتمع ما على غيره تتداخل بعض المكونات فيها وتنصهر حتى تذوب ويحدث التداخل.

لم يكن في السابق وسيلة لاختلاط المجتمعات ببعضها إلا الاختلاط المباشر عبر السفر للتجارة أو العلم أو غيرها من الشؤون التي تحتم الارتحال من بلد إلى بلد وهنا مع المخالطة الطويلة والمستمرة تتقوض صلابة التمسك بمكونات الهوية أو ببعضها، وهذا الذي جعل بعض علماء اللغة يفرزون أهل البادية عن أهل المدن في الاستشهاد بشعرهم، وجعل بعضًا منهم يمنعون الاستشهاد بالشعر عند الطبقة التي سُميت اصطلاحاً: بالمولدين لاختلاطها بشعوب أخرى قادت إلى الإخلال بصلابة اللغة وباطراد قواعدها.

واليوم لم تعد وسيلة الاختلاط بالمجتمعات والشعوب محصورة في المخالطة الجسدية المباشرة بل أدى هذا الانفجار الهائل في وسائل المواصلات والتواصل إلى نشوء اغتراب حقيقي داخل المجتمعات التي كانت تقاوم طويلا وبشدة في سبيل الحفاظ على هويتها، ولكي نكون منصفين يجب أن نعترف أننا لم نكن على استيعاب لحجم التغير السريع الذي يمكن أن يطرأ في مجتمعنا على وجه التحديد، ولم نكن معتنين بفرز ملامح التغير الناتج عن هذا الانفتاح، وكان الناس تجاهه على طرفي نقيض فمنهم من يعاجله بالرفض ومنهم من يُشرع له الأبواب ويقف لاستقباله بالحفاوة والترحاب.

وبعد أن سرنا في ركاب التغير واستفدنا مما حمله لنا كان علينا كأشخاص ومؤسسات نقف على تقييم التجربة بالفرز والتقييم والنظر في المخرجات، وإن أكثر ما يمكن أن نعتني به هو العناية بالهوية والاحتفاظ بمكونات الشخصية التي تحجزنا عن الذوبان السلبي في المجتمعات البعيدة فلدينا من الخصائص التي لا يمكن أن نخضعها لعملية التغيير الطارئ المتسارع وعلى رأسها الدين واللغة والأسس الوطنية والقيم الاجتماعية والأخلاقية، وفي نفس الوقت الانطلاق في ركاب المعاصرة والتواصل مع المجتمعات الأخرى في سبيل خدمة بلادنا ومجتمعنا والارتقاء بذواتنا كأشخاص.

زر الذهاب إلى الأعلى