منوعات

الرواق العثماني.. هل يُنسب إلى “عثمان بن عفان” أم “تركيا”؟ حقائق مثيرة تكشفها المراجع التاريخية

مرت عمارة المسجد الحرام بعددٍ من التطويرات والتحديثات على مر العصور، فوسع المسجد، وشيدت الأروقة، وبنيت الأعمدة من الرخام، وأنشئت الأسقف وزينت، وحظي بالعناية والاهتمام الممكن على مر الزمان.

ولكن تظل من بين القضايا الشائكة في عمارة المسجد الحرام نسبة الرواق العثماني؛ إذ ينسبه بعضهم خطأً كما شاع بين الناس إلى الدولة العثمانية، فيما أنه ينسب في الحقيقة إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي بنى أروقة المسجد الحرام أثناء خلافته الراشدة، وقبل الترميم الذي حظيت به الأروقة في عهد العثمانيين بنحو عشرة قرون.

وتكشف المراجع التاريخية التي كتبت قبل بزوغ الدولة العثمانية، وفي فترة أوجها، عن حقائق مثيرة للجدل بشأن حقيقة الإصلاحات والترميمات التي تمت للمسجد الحرام في العهد العثماني.

ماذا يقول التاريخ؟

وتتعدد المصنفات والمراجع التاريخية في نسبة الأروقة إلى أول من اتخذها وشيدها؛ إذ يذكر الإمام والفقيه المصري بدر الدين الزركشي في كتابه “إعلام الساجد بأحكام المساجد” (تحقيق أبو الوفا مصطفى المراغي) في الصفحة رقم 57 في فصل “ذكر من بنى المسجد الحرام”، إن الخليفة الراشد عثمان بن عفان أثناء خلافته الراشدة بنى المسجد والأروقة، إذ يقول نصًا: “ثم لما استخلف عثمان رضي الله عنه اشترى دورًا آخر، ووسعه أيضًا، وبنى المسجد والأروقة وكان عثمان أول من اتخذ الأروقة”.

والملاحظ ذكر “الزركشي” للخليفة الراشد عثمان بن عفان أنه من بنى أروقة المسجد الحرام، وأول من اتخذها، وهو ما يعضد من فكرة نسبة الأروقة إلى ذي النورين، وليس إلى الدولة العثمانية التي كانت حديثة عهد، ولم يكن لها وجود في المنطقة العربية أثناء كتابة هذا المرجع التاريخي.

أما ما يذكره المؤرخ والأديب الدمشقي ابن فضل الله العمري فلا يختلف كثيرًا عن “الزركشي”، وذلك في صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة، فيستشهد بما ذكره الماوردي والأزرقي، بأن الصحابي الجليل عثمان بن عفان هو من بنى الأروقة أثناء خلافته. إذ يقول في الجزء الأول من كتابه “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (تحقيق أحمد زكي باشا) في الصفحة 105: “ثم لما استخلف عثمان، ابتاع منازل ووسعه بها. وبنى الأروقة للمسجد، فيما ذكر الأزرقي والماوردي وغيرهما”.

الإصلاحات في العهد العثماني.. مصرية أم تركية؟

بعد هزيمة العثمانيين للممالك في معركة “مرج دابق” الشهيرة، التي أنهت حكم الدولة المملوكية لمصر والشام والحجاز، استولت الدولة العثمانية على المناطق التي كان يحكمها المماليك، ودانت لهم السيطرة على الحرمين الشريفين، فعهد إلى العثمانيين الأمر بإصلاح وتجديد المسجد الحرام متى ما تلف أي شيء منه، أو احتاج إلى العناية.

واحتاج المسجد الحرام إلى الترميم والإصلاح في عهد السلطان العثماني سليم خان في عام 979 هـ، إذ مال الرواق الشرفي نحو الكعبة الشريفة، وبرزت رؤوس الأخشاب التي كانت تغطي سقفه. وهنا يذكر المؤرخ قطب الدين النهروالي، والذي عاش بمكة وعاصر الدولة العثمانية، في كتابه “الإعلام بأعلام بيت الله الحرام”، إن السلطان العثماني عهد إلى حاكم مصر سنان باشا بتكليف أحد أمراء الأقاليم المصرية بتلك المهمة، ولكن لم يقبل عليها أحد؛ لمشقتها وكثرة أشغالهم، بحسب ما ذكر في المرجع التاريخي، وهو ما يوحي بأن المهمة قد تكلفهم أموالاً تدفع من خزانتهم أو الخزانة المصرية، والتي كانت ولاية عثمانية لا يمكنها رفض ذلك.

وما قد يدلل على تكفل مصر بقيمة الإصلاحات، ما أشار إليه الكاتب سعد بن زايد آل محمود في مقال “كسوة مصر للكعبة المشرفة شرف عبر التاريخ” على موقع “مداد”، بقوله: “على الرغم من السيادة العثمانية على كل الأمصار إلا أن مصر كولاية عثمانية ظلت تتولى عمارة المسجد الحرام بأموال ومواد بناء ومهندسين وعمال مصريين”.

وبالعودة إلى ما كتبه “النهروالي”، فيشير بعد سرد طويل إلى قبول أحد أمراء مصر ويُدعى أحمد بك لمهمة إصلاح ما تلف من المسجد الحرام، فشرع إلى تجديد أروقة الحرم، وتركيب القباب، وأهلتها التي صنعت في مصر من النحاس، وطليت بالذهب، كما نقلت الأخشاب من مصر، وغيرها من لوازم العمل؛ ليكتمل العمل في عهد السلطان العثماني مراد بن سليم بعد وفاة والده أثناء الإصلاحات.

المصدر : صحيفة سبق

زر الذهاب إلى الأعلى