كشف مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع السعودية جوانب جديدة عن أبرز خفايا الفكر المتطرف لم يتم التطرق لها قبلاً، وذلك ضمن مساره الذي تفرد به في ضرب عمق أيديولوجيا التطرف، مؤكداً أن التطرف الإرهابي من النادر أن يستدل “بنص لعالم على قيد الحياة لعلمه بأنه سيتصدى لتزويره وتدليسه من جهة، ولأنه من جانب آخر يُضلِّل ويُكَفّر مَن سواه، حتى إنه اعتبر الخلق قد هلكوا إلا مَن وافق هواه، وكل استدلالاته من أقوال العلماء تنصب على من توفي منهم حتى يسهل عليه تحريفها والمجادلة فيها”.
وأشار المركز عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أن التطرف لا يُعِيرُ أيّ اهتمام لمخالفيه، ولو كانوا يُمَثلون إجماع الأمة ضد مجازفاته، مزكياً نفسه بأنه “الفرقة الناجية” من بين أهل الأرض بعد أن حكم عليهم جميعاً بالضلال والهلاك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا قال الرجلُ هلك الناسُ فهو أهلكهُم”.
تحريف وجهل
وتضمنت نقاشات المركز المُعمقّة الكشف عن تركيز ضلال الفكر الإرهابي على شبهاتٍ نشأت لديه بسبب هجرِه للعلماء بعدما أساء الظن بهم فقام بنفسه بالتصدي للفتاوى مُحَرِّفاً معاني النصوص الشرعية غَيْرَ مُلتفتٍ لأسباب ورودها ومقاصدها مع جهله الكبير بفقه المصالح والمفاسد والترجيح بينها، وهي قواعد مهمة في فهم الشريعة وسلامة الفتوى.
وشدد المركز على أن هناك فرقاً بين “العالم” و”حامل العلم المجرد”، معتبراً أن كثيراً من الناس قد وقعوا في ذلك “ممّن نصبوا أنفسهم للفتوى والإرشاد دون فقه في أخطاء فادحةٍ ضل بها كثير من الناس؛ ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه”.
ومحذراً من أن الفكر الإرهابي يرتكزُ على العُزلة التامة عن المنظومة الدولية، ومنابذتها وتكفيرها جميعاً، مع قناعته التي صادم بها سُننَ الخالق جل وعلا، حيثُ دخل في “حربٍ شاملةٍ” يُؤَمِّلُ من خلالها أن تنتهي بمُعجزةٍ كونيةٍ ينتصرُ بها على “العالم بأسره” على أيدي لَفِيْفِهِ الضال”.
مخاطر الاستدلال بالنصوص
وفيما يتعلق بالاستدلال بالنصوص الدينية قال المركز: “يتطلب “الاستدلال” بالنصوص الشرعية صحة دلالتها على الحكم وحتى يستقيم ذلك لا بد له من قواعد وضوابط مفصّلة في علم أصول الفقه والتي يجزم كل من اطلع عليها أن مجازفات التطرف في استدلالاته أبعدُ ما تكون عنها وهي التي يلزم لها مواصفات خاصة لا تتوافرُ إمكاناتها إلا في كبار علماء الأمة.
وحذر المركز أنه “متى وقع التطرف في وحل الإشاعة فإنه يُسَخِّر لها كل ما في وسعه دون اعتبارٍ لأيٍّ من القيم الأخلاقية… غَيْرَ أن لله تعالى سنةً ماضيةً في كشف الزيف والخداع.. ويأبى البعضُ إلا أن يكونَ -بتنازله الأخلاقي- عظةً لغيره”.
ودعا المركز للانفتاحِ العلميّ والفكريّ “الإيجابي” مؤكداً أنه يُوَلِّدُ سعةَ الأُفُق، ويُؤلِّفُ القلوب، ويجمع الكلمة، ويُقرّب إلى الحق.. على حين يَتَولَّد عن الانغلاق “عزلةٌ” و”إقصاءٌ” تؤدي إلى “الجفاء”، و”الكراهية”، و”البُعد عن الحق”.
وحول ضلال التطرف قال المركز: “استدلالاتُ التطرُّف التي حاول توظيفَها لتسويق انحرافه تتركز على نصوصٍ ضَلّ في فهم “معانيها”، وفي استيعاب “مقاصدها”، مع جهله بقواعد الشريعة المتعلقة بها” مؤكداً أن ذلك قد نتج عنه نماذج مؤسفة من “الجناية” و”الإساءة” للإسلام والمسلمين”.
الإعلام المغرض
وفيما يخص الإعلام واستخدام التطرف له قال المركز: “يسعى الإعلام المُغرضُ للتدليس على الرأي العام.. لكنّ سنةَ الخالق سُبحانه قضت باندحار شره متى قوبل بالموقف “الواثق بإيمانه”، ثم “بمبادئه”، و”صدق لهجته”، و”إمكانات قوته”، مع “كشف زيفه”.. ولا يزيده المكرُ إلا “ثقةً” و”ثباتاً” و”قوةً”.. ومن تدابير الله تعالى أنه “أسرع مكراً”.
وكشف المركز عن اعتماد الإعلام “المُغرض” على غسل مواده المضلِّلة عن طريق التمرير والترويج، وهو وإن كان على علمٍ بأنها عُرضة لانكشاف حقيقتها إلا أن رهانه العاجل ينصبُّ على وقوع المستهدفين بها في فخها ومن ثم التعاطي معها، ولا يُسقطه إلا الوعي عندما يراقب “مستوى حياده” ويطالبه بـ”سند ادعائه”.
أدوار رائدة للمملكة
وفي قراءة عميقة للواقع أشار المركز إلى أن المملكة العربية السعودية تمتلك أهم وأقوى المنصات الفكرية العالمية لمكافحة التطرف. وتعهد المركز في هذا الصدد بملاحقة الفكر المتطرف في “تفاصيل أيديولوجيته” حيث تصدى المركز لعدد من “شبهاته” و”مزاعمه” و”أخطائه الفادحة” في تأويل النصوص الشرعية والوقائع التاريخية ولا يزال.
واستعرض المركز بعض أبرز جهود المملكة العربية السعودية التي تشن حرباً قويةً على التطرف والإرهاب مستشهداً بتأسيسها تحالفاً إسلامياً تاريخياً وقيادتها له، وأصبحت عُضواً فاعلاً في تحالف محاربة “داعش”. وكذلك إنشاؤها المنصات الفكرية لتفكيك آيديولوجيته، في الوقت الذي يُراهن فيه المتطرفون والإرهابيون على أي ارتجالٍ يُحاول الإساءة.
مصدر المقال: سبق
زر الذهاب إلى الأعلى