محليات

“صالح كامل” صانع النجاح العريض لكن كيف؟.. “سيرته” تكشف تجربته في تحقيق الإنجازات

ثراء تجربة الشيخ صالح كامل الإنسانية والعملية، الحافلة بالتفاصيل المهمة في كل سني حياته، رحمه الله، والمدونة في كتاب “من مكة وإليها سيرة صالح عبدالله كامل”، الذي وثّق بدقة تلك التجربة في قالب قصصي جذاب ومشوق؛ يجعل من الصعب استعراض تلك التجربة الغنية بالمحطات والمواقف والتحديات والإنجازات في تقرير صحفي قصارى إمكاناته عرض ملامح محدودة من سيرة الرجل؛ فالوسيط الأكثر ملاءمة لاستعراض سيرة هذا الرجل البارز بين رجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والعمل الخيري في المملكة والعالم؛ هو فيلم سينمائي يُفسح المجال لعرض تفاصيل هذه التجربة، في إطار حي نابض ينقل للأجيال نموذج تجربة الشيخ صالح كامل في صنع النجاح وتحقيق الإنجازات، والتغلب على المعوقات بصبر وأناة ومثابرة.

مستثمر ريادي

والانطباع الأول الذي يتولد لدى قارئ سيرة الشيخ صالح كامل قبل أن يُنهي قراءة الفقرات التقديمية لغلاف الكتاب، أنه لم يكن مستثمرًا كبيرًا فحسب؛ فهناك صفة انفرد بها في مجال الاستثمار هي أنه كان مستثمرًا رياديًّا؛ فقد بادر إلى الاستثمار في مجالات لم يسبقه إليها أحد، ويبرهن نجاح المشروعات التي أنشأها في هذه المجالات، على رؤيته الثاقبة في إدراك قيمة جدوى هذه المشروعات، التي لم يلتفت وربما أحجَمَ عنها غيره خلال الفترات المبكرة، التي أنشأها فيها.

أدرك والدا الشيخ صالح كامل في صغره، ما يتحلى به من جرأة وشجاعة أدبية في التعامل مع أفراد المجتمع، وقدرته على تحمّل المسؤولية، فاعتمدا عليه في تسيير شؤون الأسرة أثناء تنقل والده عبدالله محمد كامل مع الملك فيصل، الذي اختاره ليكون مساعده الشخصي.. وقد ظلت هذه الصفات ملازمة للشيخ صالح كامل طيلة حياته العملية، بالإضافة إلى ما تربى عليه من قيم الصدق والأمانة وحب الوطن، ونشر مبادئ الإسلام السمحة ونهجه الوسطي في تقديم تعاليم الله سبحانه وتعالى إلى البشر.

اغتنام الفرص

من أهم المعالم البارزة في شخصية الشيخ صالح كامل، إدراك القيمة الحقيقية للفرصة حينما تسنح له، واغتنامها والاستفادة منها في تحقيق مكاسب كبيرة.. ومن الأمثلة الدالة على هذا المعلم؛ استفادته من الفرصة التي لاحت له في المرحلة الثانوية من التعليم بعد أن انضم إلى الجمعية الكشفية بالمدرسة النموذجية في جدة ثم أصبح رئيسها، وأثناء توليه مسؤوليتها لاحَظَ ارتفاع أسعار المستلزمات الكشفية التي كانوا يشترونها من السوق، كما لاحظ استيرادها من لبنان؛ فأدرك أن غلاء المستلزمات الكشفية يوفر له فرصة جيدة لإنشاء مشروع مربح يقوم على توفير المستلزمات الكشفية بأسعار أقل من السوق، والاستفادة من الطلب الكبير عليها؛ فاقترض ثلاثة آلاف ريال من والده وحوّلها إلى ليرات لبنانية وسافر إلى لبنان، واستورد مستلزمات الكشافة من بِدل وأحزمة وصفارات، وبدأ في بيعها بسيارته للمدارس في جدة ومكة، ثم توسع فافتتح دكانًا لبيع المستلزمات الكشفية في حي البغدادية في جدة، وبعد عدة سنوات استطاع أن يحقق مكاسب بلغت 100 ألف ريال، وعمره لم يتجاوز 15 عامًا، وكان لا يزال يدرس في المرحلة الثانوية، وقيمة المبلغ كانت تعادل ثروة كبيرة في ذلك الوقت لا سيما بالنسبة لصبي عمره 15 عامًا، لكن المشروع شكّل انطلاقة إلى تأسيس مشاريع أخرى ناجحة أيضًا.

من معالم الشيخ صالح كامل أيضًا التي ساهمت في نجاحه العريض أنه كان يتبع شغفه دائمًا وعلى مدار مراحل حياته، فكل ما كان يشغف به ويحبه يمارسه، ثم يحوله إلى مشاريع ناجحة، فخلال المرحلة المتوسطة مارَسَ ميله إلى الكتابة ومهنة الصحافة، فأعد مجلتين أطلق عليهما “مرآة البعثات” و”ألوان”، وباعهما وحصل منهما على دخل جيد، وكان يجمع مواد المجلتين من الصحف والمجلات، التي كانت تصدر في تلك الفترة، واستمر متابعًا لشغفه بالكتابة والإعلام، وقد عبّر عن شغفه بهما بممارسة الكتابة، وإنشاء أول شبكة تلفزيونية مشفرة في المنطقة العربية، كما أنشأ أول قناة دينية إسلامية.

نشاط دائم

ويلاحظ على شخصية الشيخ صالح كامل، أنه كان شخصية دائبة النشاط، يحب الجمع بين أنشطة واهتمامات متعددة في وقت واحد، وهذا مَعلم آخر أساسي في شخصيته، فإلى جانب التعليم كان يتاجر، ومع التجارة واصل تعليمه ثم التحق بالعمل الحكومي، واتجه إلى الاستثمار في مشاريع في مجالات كثيرة، حتى انتشرت مشاريعه وشركاته في 43 دولة، ويعد إنشاء مؤسسة دلة محطة رئيسية في سجل مشروعاته الناجحة، فقد كانت منطلقًا لبدء مسار التعاون مع الحكومة في تنفيذ عددًا من المشاريع المتنوعة والمهمة، التي تمثل نموذجًا للتعاون المثمر بين القطاع الخاص والحكومة.. ومن المحطات المهمة في مسيرة الشيخ صالح كامل، دخوله مجال الاستثمار العقاري، وإنشاؤه مجموعة من المشاريع المعمارية المميزة والشهيرة منها برج دلة، وهو أحد معالم مدينة جدة، ومشروع الأمير فواز السكني، ومشروع درة العروس السياحي، ومشروع درة الرياض، ومشروع درة البحرين، وبحيرة تونس، التي وصفت بمشروع القرن.

وحَظِيَ الاقتصاد الإسلامي بنصيب وافر من اهتمام الشيخ صالح كامل، انطلاقًا من إيمانه العميق بجدارة الاقتصاد الإسلامي لضبط التعاملات الاقتصادية والمالية، لترسيخ الاستقرار في المجتمعات، ومعالجة ظواهر الفقر والبطالة، وفي هذا الإطار أنشأ عدة مؤسسات اقتصادية إسلامية لإشاعة التعامل المالي غير الربوي في المجتمعات الإسلامية، كما قدّم الشيخ صالح كامل إسهامات كبيرة في قطاع العمل الخيري، بإنشاء عدة مشاريع خيرية في المملكة والدول الإسلامية.

إن سيرة الشيخ صالح كامل التي تباع في جناح خاص بها في معرض الرياض للكتاب، سيرةٌ ملهمة ومحفزة، ملهمة للذين ينوون بصدق تحسين ظروفهم المعيشية وبناء مستقبلهم، ويعتقدون أن عدم حصولهم على فرص كبيرة يكبل سعيهم لتحقيق ما يصبون إليه، ومحفزة أيضًا للذين خطوا خطوات عملية لتحقيق أهدافهم، وتعثرت مساعيهم إليها فتوقفوا أو يئسوا، لهؤلاء وأولئك تقدم سيرة الشيخ صالح كامل تجربة حية يُقتدى بها في تحقيق الأهداف وبناء المستقبل، انطلاقًا من فرص وبدايات متواضعة، لو قُيّمت في حينها كأفكار قابلة للتحقيق فسيقطع بأنها لن تؤدي إلى ما آلت إليه من نتائج وإنجازات كبيرة ومبهرة.

المصدر sabq.org

زر الذهاب إلى الأعلى